محمد منير الماجيدي: "ولد التقدم" الذي حولته صداقته الملكية إلى ملياردير* إدريس ولد القابلة
محمد منير الماجيدي: "ولد التقدم" الذي حولته
صداقته الملكية إلى ملياردير
الكثيرون تساءلوا مَن يكون محمد منير الماجيدي (الصورة)، عقب اندلاع ما أصبح يُسمى ب " فضيحة الكاتب الخاص للملك" ونعني بها " صفقة هكتارات تارودانت، التي استفاد بموجبها الرجل من ثمن تفضيلي هو خمسين درهما للمتر المربع، بينما يبلغ ثمنه خمسة آلاف درهم.
تقول مصادر عديدة، من بينها صحف مغربية، تناولت السيرة الشخصية، والمهنية للماجيدي، أن هذا الأخير لم يولد وملعقة من ذهب في فمه، شأن الكثير من أبناء العائلات الملتصقة بالمخزن المغربي أبا عن جد شأن:القادري و بنسليمان وبنحربيط و بناني ... إلخ. بل " ابتسم " له الحظ حينما تجاور، خلال أواخر سبعينيات القرن العشرين، على مقاعد الدرس في ثانوية دار السلام بحي التقدم الشعبي في الرباط ( حيث ترعرع في كنف أسرة متواضعة ) مع شاب غير عادي اسمه نوفل، ويتعلق الأمر بابن أحمد عصمان الوزير الأول السابق، ورئيس حزب الأحرار سابقا أيضا، والسيدة نزهة أخت الحسن الثاني.
ارتبط نوفل بصديق دراسته أشد الارتباط، فكان طبيعيا أن يقدمه لأبناء خاله الملك الحسن الثاني، وعلى رأسهم ولي العهد آنذاك الأمير محمد، وحظي "ولد التقدم" بالقبول، حيث لم يعد يُستغنى عنه في الأوقات الطيبة لشلة الأمراء وأقاربهم، ويشاء القدر الداكن، أن يرحل الشاب نوفل إثر مرض عضال، ثم لتلحق به أمه كذلك، في حادثة سير مأساوية، وليظل رحيلهما جرحا عميقا في نفوس أفراد الأسرة المالكة، وكان الاحتفاظ ب "صديق الفقيد" ضمن شلة الأصدقاء المقربين، من ولي العهد والقصر، بمثابة وفاء لذكراه.
وحينها فهم " ولد التقدم " أن الفرصة مواتية ليتخلص من قدره الاجتماعي المتواضع - ربما - إلى الأبد، حيث تحول بين عشية وضحاها، عقب وفاة الملك الحسن الثاني، إلى واحد من الفاعلين الأساسيين إلى جانب الملك محمد السادس، ضمن شلة ضيقة لتسيير دفة الحكم السياسي والاقتصادي والأمني.
واليوم فإن " ولد التقدم " السابق يتربع على عرش تسيير واحدة من أكبر الثروات في العالم، ونعني بها ثروة الملك محمد السادس والأسرة الملكية، ويتبين من خلال بعض المعطيات التي تتسرب للصحافة المغربية، أن " م3 " ( هكذ لقب بعض العارفين بكواليس القصر الملكي الماجيدي، كناية لقربه الشديد من محمد السادس، وثلاثية حرف الميم في اسمه) يصنع الزمن الطيب والرديء - حسب التعبير الفرنسي، فهو لم يكتف بالاستحواذ على سوق اللوحات الإشهارية، بدون أدنى طلب عروض، منذ بضع سنوات تعود لأواخر زمن حكم الحسن الثاني، بل أصبح يُملي الشروط الملكية على كبار المستثمرين المغاربة لجعلهم تحث رحمة المخزن الاقتصادي، وبين هذا وذاك يرفع وُينزل مَن يشاء - إلى ومن - " جنة " المؤسسات المالية التابعة للملك، آخر " إنجازاته " في هذا المضمار هو طرده لمدير وافا بنك " الودغيري " في عملية انتقام سمتها مجلة " تيل كيل " ب "التبرهيش ديال الماجيدي "..
قد يقول قائل إن نازلة أرض تارودانت قد لا تمثل شيئا، حجما وقيمة وأهمية، مقارنة بما تمكن محمد منير الماجيدي من السطو عليه على امتداد مشواره الوظيفي الحساس، لكنها النازلة التي كانت بمثابة الشرارة التي حققت الانفجار، فأصبحت القضية الصغيرة تشكل فضيحة "بجلاجل" بفعل غضب الملك محمد السادس على تصرفات كاتبه الخاص الذي وضع نفسه في مركز عاصفة الشبهات، علما أنها شبهات ظلت تحوم حول الرجل منذ أن سطا على اللوحات الإشهارية واحتكرها احتكارا على حين غرة وبدون سابق إنذار، و
التي ذرت عليه ملايين الدراهم دون عناء ومجهود بفضل ولي نعمته في هذا النطاق، الوزير المخلوع إدريس البصري ورجال السلطة الموالين له.
لازالت المعلومات حول الثروة التي راكمها محمد منير الماجيدي نادرة جدا، إلا أن هناك بعض المعالم الدالة على أهميتها.
فقد أكد جملة، من المحللين الاقتصاديين ورجال الأعمال على أن الكاتب الخاص للملك والمسير للثروة الملكية استمد قوته وتوسع نفوذه وتشابكت علاقاته بفضل موقعه الحساس، بل يعتبر بعض المستثمرين أن محمد منير الماجيدي عمل على تنمية ثروته باسم موقعه، لاسيما وأنه اكتسب درجة كبيرة من ثقة الملك، وهذا ما جعل رجال الأعمال وجملة من القائمين على الأمور يخشون سطوته ويخطبون وده.
أضحى الكاتب الخاص للملك من أغنياء المغرب بعد أن تمكن في وقت وجيز جدا من مراكمة أموال طائلة، كانت انطلاقة تكوين "امبراطوريته المالية" بالاستحواذ على قطاع اللوحات الإشهارية، إذ بجرة قلم أصبح محتكره. تقوى عوده وتوطدت أقدامه في تدبير ثروة العائلة الملكية إلى أن بات الناهي والآمر والمتحكم في رقاب كل العاملين تحت إمرته والمتواجدين تحت رحمة مراقبته.
وتأكدت قوته عندما تمكن من دفع الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفا بنك إلى الاستقالة من منصبه، الأمر الذي اندهش له الكثيرون. ومكنه كذلك إدريس البصري من جعل كل الأبواب موصدة في وجه منافسيه المحتملين.
تضمن كتاب " حين يُصبح المغرب إسلاميا " للصحافيين الفرنسيين "نيكولا بو" و "كاترين غراسييه" فقرات عن "الماجيدي" و "قصة" ارتقائه لذرى الثراء ننقل بعضها هنا: "...يُلقب الرجل ب " م 3 "، بسبب قربه من الملك. فالرجلان يعرفان بعضهما منذ يفاعتهما المشتركة، ولم يفترقا منذ ئذ (....) إلى حين عهد إليه ولي العهد بمهمة الإشراف على صندوق مال خاص سري. ومن ثمة لجوئه إلى إحداث بعض المشاريع الخاصة ب " رضا " الملك حسب أقوال الماجيدي نفسه، وكان نجاحه سبب الثقة التي أولاها له محمد السادس فيما بعد، والذي عينه في نهاية سنة 1999 في هذا المنصب الرفيع: " الكاتب الخاص لجلالة الملك " . وفي سنة 2002 تمت ترقيته لمهام رئيس الهولدينغ الملكي " سيجر" الذي يراقب مجموعة الأونا خلفا لمراد الشريف (...).
صحيح أنه تحت عباءة القصر، قام الماجيدي بتنمية بعض الأعمال الخاصة. وقد لقبت جريدة " لوجورنال " الماجيدي ب " سيد اللوحات الاشهارية " ( كناية على الفيلم الأمريكي الشهير " سيد الخواتم " ). فعن طريق شركة صغيرة تحت اسم " ف. سي. كوم "، تمكن هذا الرجل الشاطر من تحقيق احتكار غير مسبوق لقطاع اللوحات الاشهارية برمته: فثمة أزيد من ألف ومائتي موضع للوحاته في مدينة الدار البيضاء و350 في الرباط وأخرى في باقي المدن المغربية المهمة، ناهيك عن احتكار الإعلان على الطرق السيارة، وامتياز وضع لوحاته أيضا في مطارات البلاد، دون الحديث عن محطات القطارات، حيث يعود امتياز الاستغلال له في مجموع البلاد.
يكتفي منافسو الماجيدي ببعض عروض الاستغلال في القطاع من طرف الجماعات المحلية، وبذلك فهم لا يتوفرون سوى على عقود استغلال سقفها الأقصى خمس سنوات، في حين أن " م 3 " يستحوذ على حق تمديد عقوده إلى مدة تصل لثلاثين سنة، فحتى عائلة المستشار الملكي السابق، وصديق الحسن الثاني احمد رضا كَديرة لفترة طويلة، المتوفي سنة 1995، لم يتم إعفاؤها من العجلة الضاغطة لنفوذ الماجيدي.
فعقد الاستغلال الذي يستفيد منه ورثة كَديرة مع المكتب الوطني للمطارات، تم فسخه من طرف القصر لفائدة شركة "ف سي كوم " لصاحبها منير الماجيدي. ليس من شك، أن هذا الأخير يُقدم نفسه في كل هذه المعاملات، باعتباره " السكرتير الخاص للملك ". وذلك بطبيعة الحال مع التواطؤ المتحمس للعديد من الولاة والعمال ورؤساء الجماعات المحلية، المهووسين بالظفر برضا القصر، هكذا فإن منير الماجيدي بصدد التحول إلى عراب اللوحات الإشهارية في المغرب.
الأكثر من ذلك أن حكومة السيد إدريس جطو حابت أيضا صديق الملك، من خلال إحداث مشاريع قوانين منظمة للصناعة الإشهارية، تدعم احتكار شركة " إيف سي كوم ".
وعندما كثر القيل والقال حول شركة "ف.سي.كوم" تخلى محمد منير الماجيدي عن تدبير أمورها لفائدة نجل عباس الفاسي الذي أصبح مديرا عاما لها.
كما حاول الماجيدي بمعية نجل إدريس جطو، الوزير الأول، ولوج مجال السمعي البصري.
هذه بعض معالم انطلاق صيرورة آليات تراكم ثروة محمد منير الماجيدي التي لا يعلم أهميتها إلا الله، بفعل نشاطه في مجالات تذر عليه مبالغ "طيطانيكية" في غياب أي منافس.
و كان محمد منير الماجيدي مشواره الوظيفي، بعد إنهاء دراسته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، بالبنك التجاري المغربي، ثم التحق بصندوق الإيداع والتدبير للقيام بمهمة إلى جانب مديره خالد القادري.
عندما خبر خبايا وكواليس هذه المؤسسة، التي تتصرف وتدير جزءا كبيرا من أموال الشعب، تولدت لديه فكرة شركة خاصة به، وعقد ابن التقدم العزم على أن يخرج من جلدته ليلج نادي أكبر أثرياء المغرب.
انطلاقا من موقعه، في صندوق الإيداع والتدبير، شرع محمد منير الماجيدي في التخطيط وتقعيد بنيان إحداث "مملكته" المالية، وكانت البداية بالبحث عن الأموال لتشكيل الرأسمال، وفي سنة 1999 كان الإعلان عن ميلاد شركته "إف.سي.كوم" (FIRST CONTACT COMMUNICATION/FCCOM)، التي اختارت مجالا جديدا بالمغرب كان في طور الولادة: اللوحات الإشهارية، وأحكم قبضته عليه منذ البداية، إذ كان أول من استثمر في هذا القطاع، ثم التحقت به شركة "جي.إس.إم.المغرب" (GSM ALMAGHRIB)، تزامن ذلك مع تعينيه من طرف الملك محمد السادس كاتبا خاصا له، فانفتحت في وجهه كل الأبواب بعد أن أصبح "حيسوب الملك" ومدبر أمور الثروة الملكية.
وخلال فترة وجيزة تمكن محمد منير الماجيدي من تجاوز مرحلة تراكم الرأسمال الأولى بفضل الصفقات التفضيلية التي منحتها له شركة "أوندا" (ONDA) والمكتب الوطني للسكك الحديدية، ومن ثمة كانت الانطلاقة الصاروخية، وتمكن من توسيع مساحات "مملكته" المالية، مستغلا غياب تقنين القطاع الذي تحكم في احتكاره بفعل مساهمة أكثر من جهة وازنة.
لقبه بعض الاقتصاديين بـ "باطرون الرأسمالية الجديدة" منذ أن تحكم في دواليب مجموعة "أونا" وساهم في تقوية "سيجر" (الهولدينغ الملكي)، فخطط وهيأ الشروط المواتية لابتلاع مجموعة "الوفاء" وعبد طريق أمام ولوج المجموعة الملكية قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الجديدة (بدأت نتائج هذا التخطيط تظهر مع "باين") بعد سلسلة من الإحباطات المتكررة التي سبقت بفعل المنافسة.
وبذلك أضحى محمد منير الماجيدي، من خلال الموقع الذي احتله في الهولدينغ الملكي، أحد أكبر صانعي القرار الاقتصادي بالمغرب، إذ أن جزءا كبيرا من نسيج الاقتصادي الوطني يتأثر بالقرارات التي يتخذها أو يساهم في بلورتها.
عرف عن محمد منير الماجيدي أنه يولي اهتماما كبيرا للتخطيط بخصوص الأهداف التي يرمي إلى بلوغها، إذ لم يترك فرصة تمر دون استغلالها، وفي هذا الصدد يرى أحد الصحفيين أن انتشار أخبار استفادة الشخصيات الوازنة والمحتلة للمواقع الحساسة لجملة من الامتيازات بطريقة سهلة ودونما عناء، دفع بعض المغاربة إلى التفكير في سبيل للفوز ولو من فتات "كعكة الامتيازات"، ومن النوازل حادثة انتحال شخص صفة محمد منير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة للملك من أجل الحصول على منصب شغل في الخطوط الجوية الملكية المغربية، لكونه يعلم علم اليقين، أن موقع الكاتب الخاص للملك يمكن صاحبه نيل ما يريد.
ومن منظور جاد، فإن مجموعة أونا تعرف صعوبات حقيقية، فلنأمل أن صديق " م3 " الاشتراكي الفرنسي دومينيك ستراوس كاهن، الذي اقترح عليه ( أي على الماجيدي ) سنة 2005 متابعة دروس خصوصية، في أفق الخضوع لتكوين مكثف في مجال الاقتصاد، سيساعده على اكتساب رؤية اوضح للإقتصاد المغربي...".
و في نظر الكثيرين ، إن حالة الماجيدي ليست استثناءا بل هي القاعدة العامة لأناس في محيط السلطة.
من مقال
أثرياء محمد السادس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق