في ذكرى انقلاب 30 يونيو 1989. الميدان 4336
في ذكرى انقلاب 30 يونيو 1989.
في مثل هذا اليوم قبل ستة وثلاثين عاماً، تعرّضت إرادة الشعب السوداني لعملية إغتيال سياسي بإنقلاب عسكري نفّذه حزب الجبهة القومية الإسلامية، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، على النظام الديمقراطي المنتخب في السودان، في 30 يونيو 1989. وكان ذلك بداية لمسار طويل من القمع والتخريب الممنهج، أدخل البلاد في نفق مظلم لم تخرج منه حتى اليوم.
لم يكن الإنقلاب سوى عملية إختطاف منظمة للدولة عبر خلايا داخل القوات المسلحة ومليشيات شبه عسكرية تابعة للجبهة، أسفرت عن تصفية شاملة للحياة المدنية: تم حلّ الأحزاب، وقُيّدت الحريات، وأُغلقت الصحف، وعُطّل العمل النقابي بالكامل. وتبع ذلك حملة إعتقالات واسعة في معتقلات سرية تُعرف بـ”بيوت الأشباح”، مورست فيها أبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي بحق المعارضين.
وفي ما سُمي بـ”حملة الصالح العام”، فُصل آلاف العاملين من الخدمة المدنية والعسكرية، لمجرد أنهم لا ينتمون للتنظيم الحاكم أو يُعدّون من خصومه. وبهذا التمكين السياسي، وُجّه الإقتصاد نحو النشاط الطفيلي، ونُفّذت برامج خصخصة فاسدة هدفت إلى تصفية القطاع العام، فاستحوذت عليها أقلية طفيلية من الإسلامويين، مما قوّض قطاعات الإنتاج الأساسية وأضعف مؤسسات الدولة.
وفي الجنوب ودارفور ومناطق النزاع الأخرى، حوّل النظام البلاد إلى ساحات حرب مفتوحة تحت شعارات الجهاد، وجنّد المليشيات القبلية، وفتح باب التجنيد الإجباري عبر ما سُمّي بالدفاع الشعبي، لتغذية آلة الحرب والقمع والإبادة الجماعية. وعلى الصعيد الخارجي، تورّط النظام في رعاية مخططات إرهابية، مما جلب على السودان عزلة دولية وعقوبات خانقة لا تزال آثارها ماثلة.
ورغم هذا الخراب الممنهج، سقط رأس النظام تحت ضغط ثورة شعبية عظيمة في ديسمبر 2018، بعد أن تنكّرت له لجنته الأمنية، التي سعت للإلتفاف على مطالب الثورة عبر إنقلاب ناعم لم يكن سوى إمتداد مباشر لنهج 30 يونيو. وشاركت بعض قوى الهبوط الناعم في هذا المسار، متنكرة لشعارات الثورة، إلى أن إنقلب عليها العسكر مجددًا في 25 أكتوبر 2021. ومثّل ذلك التمهيد لإنفجار الحرب الأهلية في 15 أبريل 2023، التي دمّرت مقدرات البلاد، وشرّدت أكثر من 14 مليون مواطن، بينهم نحو 4 ملايين لاجئ، وسط إنهيار شبه كامل للدولة.
ورغم هذا الركام، لم تمت جذوة الثورة. فالحلم لا يزال حياً في قلوب السودانيين، يتجلى في نضالات القواعد الشعبية، التي تسعى اليوم إلى بناء أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب، وإسترداد الدولة، وتحقيق أهداف الثورة.
إن ذكرى 30 يونيو ليست فقط لتأبين ديمقراطية وئدت، بل لتجديد العهد بأن لا عودة لحكم الطغمة الإسلاموية الغاشمة، وأن لا بديل عن دولة مدنية ديمقراطية، تُبنى على أنقاض الإستبداد، لا فوقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق